10.2، التناسب الأيضي سنتحدث في هذه الوحدة عن مسألة التناسب الأيضي في علم الأحياء، سيما عن النظرية التي أحدثت مؤخرا هزة في وسط علم النظم المعقدة و جميع علوم الأحياء. و لنبدأ أولاً ببعض التعريفات. معدل أيض الكائن الحي هو مقدار الطاقة التي ينفقها في وحدة زمنية معينة. لعلكم تعرفون أن جميع خلاياكم تمر باستمرار بتفاعلات أيضية يتحول فيها الغذاء إلى طاقة، و يمكن قياس المعدل الأيضي للكائن من خلال كم الحرارة التي يبعثها في الوحدة الزمنية. من المعلوم منذ زمن أن المعدل الأيضي يتناسب مع كتلة الجسم، و لكن لم يزل ثمة جدلٌ حيال ماهية قانون التناسب هذا. نظريات التناسب الأيضي معقدة شيئاً ما، و تحتاج إلى قليل من الرياضيات. سأمر عليها ببطئ، خطوة خطوة، رجآء أن لا تبدو معقدة جدا. أولا، هناك افتراضات افتُرِضَت: [١] نحن نعلم أن الجسم مكون من خلايا، و فيها تحدث التفاعلات الأيضية دائما. [٢] كافتراض تبسيطي، يقرب العلماء أحيانا كتلةَ الجسمِ بافتراض أن الجسمَ كرةُ خلايا شعاعها (أي نصف قطرها) ’ش‘. هاكم وَبْرنا الصغير الذي سنفترض أنه كرة خلايا، و هذا شعاعها، ش. فسنستخدم إذا بعض الحجج الهندسية. لننظر إلى أحجام متنوعة من الكائنات، بدأً من وبرنا الصغير. لنقل أن شعاعه ش. نعلم هندسيا أن مساحة سطح الكرة يتناسب مع شـ^2، و أن حجمها يتناسب مع شـ^3. هذا شبيه بالحجة التي سقتها سابقا عن تناسب غرفة النوم. و الآن، هبوا أنّا لدينا وَبْراً ثم لنفرض أن شعاعه ضِعْفُ شعاع الفأر. سيعني ذلك أن مساحة سطح الوبر - أي هذه الكرة - ستتناسب مع مربع شعاعها، أي هكذا (2 شـ)^2، أي (4 شـ^2)، حيث ش هو شعاع الفأر. أما الحجم فسيتناسب مع مكعبه أي (8 شـ^3). لننظر الآن إلى فرس نهر أكبر بكثير. لنفرض أن شعاعه 50 ضعف شعاع الفأر. يعني ذلك أن مساحة سطحه ستتناسب مع (50 شـ)^2، أي (2,500 شـ^2)، و حجمه سيتناسب مع (50 شـ)^3، أي (125,000 شـ^3) فحجمه إذا يتعاظم! سنفترض أيضا أن كتلة الكائن يتناسب مع حجم الكرة، و ذلك افتراض معقول. لتكن أبسط فرضياتنا أن المعدل الأيضي، وهو مقدار الطاقة أو الحرارة المنبعثة من الكائن، يتناسب طردا مع كتلة الجسم التي بدورها تتناسب مع الحجم. حسناً. توجد مشكلة. و المشكلة هي أنه وإن كانت الكتلة تتناسب مع الحجم، فإن الحرارة لا تنبعث إلا من السطح. فما يعني ذلك؟ يعني ذلك أن كم الحرارة يتناسب مع الحجم - رقم ضخم - و لكن انبعاثها لا يكون إلا من خلال رقم أصغر، ألا وهو مساحة السطح. ففي فرس نهرنا، لدينا 125,000 ضعف حرارة الفأر - أي تناسبا مع الحجم - تنبعث من مساحة قدرها 2,500 ضعف مساحة سطح الفأر فقط. فإذا، من شأن كميةٌ ضخمة ٌمن الحرارة تنبعث من مساحة أصغر نسبياً أن تخلق فرس نهر ساخن جدا، يكاد يحترق! لحسن حظ الفرس و سائرِنا، لم تجعل عمليةُ التطور المعدلَ الأيضي تناسب طردا مع كتلة الجسم، ففرضيتنا إذا خاطئة، و لنا أن نستدل هندسيا على أن مساحة السطح تتناسب مع الحجم مرفوعا إلى قوة 2/3. ذلك لأن مساحة السطح كما نعلم تتناسب مع (شـ^2) و لنا أن نكتب (شـ^2) كـ (شـ^3)^2/3 إذ تُخذف الثلاثتين و يبقى لنا (شـ^2). و لكن الـ (شـ^3) تتناسب مع الحجم، فتكون مساحة السطح إذا متناسبة مع الحجم مرفوعا لقوة 2/3. فالمتوقع هنا هو أن فرضية ثانية تصح، يتناسب فيها المعدل الأيضي مع كتلة الجسم مرفوعا لقوة 2/3. أي أنه لا يتناسب طردا مع كتلة الجسم بل مع رقم أصغر- أي مساحة السطح. و هذه تدعى فرضية السطح (the surface hypothesis) و اعتُقد بها لسنوات عديدة. يبدو من المعقول أن نفترض أننا نريد من الأيض أن ينتج أكبر كمية ممكنة من الطاقة، مما يعني أنه سيبعث حرارة متناسبة مع مساحة سطح الكائن. حسنا، إليكم بعض البيانات. هذا رسم بياني لوغارتمي المحورين. حيث ترسم كتلة الجسم هنا و المعدل الأيضي هنا. يمكنكم أن ترو كيف تقع الكائنات المختلفة على خط مستقيم بتوافق جيد ولو قستم ميل هذا الخط لوجدتم أنه ليس 2/3 بل 3/4. بخلاف المتوقع، في حين يدل الاستدلال الهندسي على أن هذا الأسٍ قدره 2/3، تفيد البيانات الحقيقية بأنه 3/4. يعرف هذا بقانون كلايبر (Kleiber's law) نسبة لمكتشفه. و لستين عاما لم يفهم أحد حقا لم يتناسب المعدل الأيضي مع كتلة الجسم مرفوعة لقوة 3/4. لنتوقف عند هذه النقطة، و لنأخذ اختبارا قصيرا لنتأكد من أنكم فهمتم ما مضى حتى الساعة.